بين التهويل والتحليل… قراءة في المشهد الإقليمي واحتمالات الحرب خضر رسلان يشهد المشهد الإعلامي والسياسي في المنطقة ظاهرة ل
بين التهويل والتحليل… قراءة في المشهد الإقليمي واحتمالات الحرب
خضر رسلان
يشهد المشهد الإعلامي والسياسي في المنطقة ظاهرة لافتة تتمثل في تقاطع كبير بين ما يمكن تسميته بـ"الخروب النفسية والتهويلية المبرمجة"، يقودها طيف متنوع من المبصرين والمحللين. فمنهم من يرتبط بأجهزة مخابرات ويتلقى رسائل موجّهة، ومنهم من يمتلك حدسًا سياسيًا وقدرة على قراءة المتغيرات، فيطرح فرضيات ومآلات محتملة. هؤلاء يجمعهم سقف واحد يضم أيضًا من يسعى إلى الظهور والبروز الإعلامي، ومن له ارتباطات مع سفارات وقوى إقليمية تمرر عبره رسائل مبطّنة.
تتكرر الظاهرة نفسها في تحديد "المواعيد الحاسمة"، حيث جرى الترويج لتواريخ وأحداث كبرى، اتضح لاحقًا أنها كانت إما مبالغات أو محض أراجيف. ومع ذلك، يعود كثير من المتابعين للاستماع إلى الأصوات ذاتها، في دورة شبه دائمة من التهويل الذي يستهلك الرأي العام ويغذّي القلق الشعبي.
صحيح أن مسار التطورات يُبقي كفتي الحرب والسلم متقاربتين، إلا أن حقيقة لا يبوح بها الإعلام كثيرًا هي أن جميع الأطراف الفاعلة تدرك مخاطر الحرب وتداعياتها، خاصة إذا تحولت إلى معركة وجودية تُسقط المحذورات والضوابط. فالولايات المتحدة، التي تضع مصالحها الاقتصادية والسياسية في صدارة أولوياتها، ليست في وارد خوض مغامرة عسكرية كبرى في الإقليم، وهي تدرك أن مآلات المواجهة لا تبشّر بمكاسب أكيدة، بل قد تفتح الباب أمام منافسين كبار، وعلى رأسهم الصين، للاستفادة من انشغالها وتوسيع نفوذهم في المنطقة.
في السياق ذاته، لا يمكن إغفال تجربة الهجوم على منشآت أرامكو في السعودية عام 2019، حين أثبتت قدرات الجيش اليمني و"أنصار الله" أن المنشآت النفطية ليست محصّنة كما كان يُعتقد. تلك الحادثة تركت أثرًا عميقًا في ذهنية صانع القرار الخليجي، ورسخت فكرة أن أي حرب واسعة قد تمس مباشرة منظومات النفط والغاز، بما يشمل مراكز الإنتاج وخطوط الإمداد والموانئ البحرية، وهو ما يهدد ليس فقط أمن الطاقة العالمي، بل أيضًا مشاريع استراتيجية كـ"رؤية 2030" التي تحتاج بيئة مستقرة لجذب الاستثمارات وتحقيق أهدافها.
أما على الساحة السورية، فإن فرضية تدخل دمشق عسكريًا في الساحة اللبنانية تبدو محفوفة بالمخاطر. فالوضع الداخلي السوري لا يزال معقدًا، وأي انخراط في مواجهة إقليمية قد يفتح شهية خصوم السلطة الحاليين من مكونات دينية أو عرقية أو فصائل مسلحة، لاستغلال الظرف والانقضاض على الحكم، ما يجعل الرهان على هذا العامل سابقًا لأوانه.
من جهة أخرى، يظل هاجس التوغل الإسرائيلي في لبنان حاضرًا في تقديرات الميدان. فهناك من يرى أن حكومة تل أبيب تدرك أن أي مبادرة هجومية قد تمنح حزب الله مشروعية واسعة لشن حرب انتقامية قاسية، قد تطال المستوطنات والمدن الكبرى وربما تصل إلى تل أبيب نفسها، وهو سيناريو لا ترغب إسرائيل في اختباره إلا إذا كانت واثقة من القدرة على حسمه سريعًا.
كما أن هناك خشية متزايدة من أن تتدحرج أي مواجهة إلى حرب إقليمية مفتوحة، تنخرط فيها أطراف أخرى كإيران وأنصار الله وفصائل عراقية، وهو ما قد يربك حركة الاقتصاد العالمي ويعصف بأسواق الطاقة، خصوصًا إذا تم استهداف البنى التحتية الحيوية وخطوط الملاحة البحرية في الخليج والبحر الأحمر.
كل هذه المعطيات تجعل قرار الحرب على المقاومة في لبنان محاطًا بصعوبات وتعقيدات كبرى، وربما تمنح أي مواجهة، إن وقعت، فرصة حقيقية لانبعاث مسار مقاوم جديد يقلب المعادلات في الإقليم، ويفرض على اللاعبين الدوليين التعامل مع واقع مختلف تمامًا. المقاومة، بدورها، تستعد لرد موجع إذا فُرضت عليها الحرب، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تكون هي الطرف الذي يطلق الرصاصة الأولى.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها